يسود الظن بأن "الحملة" التي يتعرّض لها فؤاد السنيورة بـ"أمرٍ" من رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري هي ما يُهدد فوز اللائحة المدعومة منه في دائرة "بيروت الثانية" أو في دوائر أخرى. لكن الواقع هو أن قلقاً شديداً ينتاب السنيورة بعد فشله في تشكيل نواة كتلة نيابية ترث تيار "المستقبل"، ينبع من إدراكه بأنه شخصية "غير مرحّب بها" في قسم كبير من الشارع السني، وأن كثُراً ممّن قد يُقاطعون صناديق الاقتراع سيفعلون ذلك رفضاً للسنيورة بمعزل عن التعاطف مع زعيمهم.
ولأن الصوت السنّي القادر على التأثير في مصير المرشحين في دوائر عدّة مستقبلي الغالب، ترجح التقديرات أن لائحة "بيروت تواجه" لن تنال أكثر من حاصل، وأن المرشّح الفائز فيها "على الأغلب لن يكون سنياً". وتؤكد مصادر أن "التقديرات التي يعرفها السنيورة جيداً" هي أن النواب السنّة في بيروت الثانية سيتوزعون على لوائح الأحباش (٢) والجماعة الإسلامية (١) وفؤاد مخزومي (١) واحتمال أن يكون هناك مقعد من نصيب لوائح قوى المعارضة.
وذكرت "الاخبار" بانه بعيداً عن أماني السنيورة بأن يحقّق "التدخل" السعودي الهزيل حتى الآن (باستثناء دعم القوات) النتائج التي ينشُدها، ورغم الدعم المعنوي الذي يحظى به من خلال "الجمعات" المتكررة مع السفير السعودي وليد البخاري وبعض السفراء العرب، إلا أنه غير قادِر على قلب الأمور لمصلحته. ولعلّ المعضلة الأولى التي تواجهه، وفقَ مصادر في اتحاد العائلات البيروتية، هي "فقدان الرغبة" في التصويت ليس "حباً بالحريري وإنما بغضاً بالسنيورة".
هذه الأجواء ناقشتها شخصيات مع السفير السعودي. وعندما ذُكر أمام البخاري أن الحريري "قد يخرج بكلمة علنية قبلَ يوم الانتخابات ليطلب من جمهوره مقاطعة صناديق الاقتراع"، أجاب بأن الحريري "خاسر، إن فعلها وإن لم يفعلها». ولم يجِد الضيوف تفسيراً لذلك سوى أن «الحريري في حال دعا إلى مقاطعة الانتخابات سيزيد السخط السعودي عليه". بعد أيام قليلة، بحسب مصادر مطلعة، كرر البخاري كلامه بصيغة أوضح، مشيراً إلى "احتمال أن تطلب الرياض من الإمارات إبلاغ الحريري الخروج قبلَ الانتخابات ببيان يدعو الى المشاركة الكثيفة في الانتخابات"، وهو ما وصل الى مسامِع الحريري. لكن المفارقة أن تمزيق صور المرشحين في بيروت أتى بعد أيام قليلة على نقل كلام البخاري.
المشاركة السنية
وفي السياق، يراهن مصدر سياسي بارز على أن تعدد الدعوات للإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع ستؤدي حكماً إلى إحداث تبدل في المزاج السني باتجاه خفض منسوب عدم المشاركة في الاستحقاق الانتخابي الذي يرسم خريطة الطريق لإعادة تكوين السلطة في لبنان بدءاً بتشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للحالي العماد ميشال عون، ويقول لـ"الشرق الأوسط" إن تصدر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ومعه جمعية "المقاصد الخيرية الإسلامية" واتحاد العائلات البيروتية لهذه الدعوات لم ينطلق من فراغ، وإنما جاء انطلاقاً من تقديرهم بأن نسبة الاقتراع حتى الساعة ما زالت متدنية وليست بالمستوى المطلوب.
ولفت المصدر السياسي إلى أن قرار الحريري بتعليق نشاطه السياسي وعزوفه وتياره عن خوض الانتخابات ترك فراغاً في الدوائر الانتخابية حيث الثقل للناخب السني، مع أنه لم يطلب من جمهوره ومحازبي التيار الأزرق مقاطعتها.
واكد المصدر نفسه أن جمهور التيار الأزرق لم يُظهر حماسة، كما في السابق، للإقبال على صناديق الاقتراع برغم أن هناك مرشحين يدورون في فلك الحريرية السياسية ترشحوا لخوض الانتخابات ومنهم من تقدموا باستقالاتهم من "المستقبل".
وفي هذا السياق، لا يحبذ السجال الذي اندلع أخيراً بين السنيورة الداعم للائحة "بيروت تواجه" وللوائح أخرى على امتداد مساحة الوطن، وبين أمين عام تيار "المستقبل" أحمد الحريري على خلفية إخلاء الساحة بقرار الحريري بعزوفه عن خوض الانتخابات، ويقول بأن لا مبرر لهذا السجال الذي ينعكس سلباً على الساحة السنية.
ورأى المصدر نفسه أن الدعوات للإقبال على صناديق الاقتراع وعدم مقاطعة الانتخابات ليست معزولة عن النداءات المتتالية الصادرة عن المجتمع الدولي والتي تلتقي مباشرة مع الدعوات التي يطلقها معظم السفراء العرب المعتمدين لدى لبنان والتي عكسها سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري في حفلات الإفطار الرمضانية التي أقامها برغم أنه آثر عدم التدخل في تركيب اللوائح تاركاً للبنانيين القرار في اختيار ممثليهم في البرلمان، كما اختار التوقيت المناسب لعودته إلى بيروت والتي جاءت بعد تسجيلها لدى وزارة الداخلية والبلديات بصرف النظر عن الحملات التي استهدفته من قبل "حزب الله".
وحذر من تدني نسبة الاقتراع في الشارع السني لأن نتائجها ستكون كارثية على التركيبة النيابية التي ستحملها نتائج الانتخابات إلى البرلمان، ويقول بأن النواب الذين سيمثلون الطائفة السنية سيُنتخبون بأقلية سنية وبأكثرية تنتمي إلى الطوائف الأخرى، ما يفقدها دورها الوازن في المعادلة السياسية، خصوصا أن هناك من لا يزال يراهن على تهميشها، مع أن السنة يشاركون في انتخاب أكثر من 85 نائباً من مجموع نواب البرلمان البالغ عددهم 128 نائباً.